في رحاب آيـة
{وَعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خوْفِهِمْ أَمْناً}
إن الشخصيات العظيمة - التي مكَّن الله لها - كانت في بداية حياتها مضطهَدة معروكة بالشدائد والمحن. فهذا نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي أُخرج من مكة مطارَداً , واختفى في غار ثور , وسلك في هجرته طريقاً غير معتاد .. إذا به بعد ثمانِ سنوات يعود إلى مكة فاتحاً , وأعداؤه ينتظرون - في ذلة - ما يقضي فيهم , ويطمعون في عفوه . وهذا يوسف - الذي أُلقي في البئر وبِيعَ , وسُجن , وفارق أبويه سنين طويلة لا يعلمان عنه شيئاً - يدور الزمان , ويمكِّن الله له في الأرض , ويؤوي أبويه , ويرفعهما على عرش مصر . فهذه سُنة الله , مَن لم تكن له بداية محرِقة لم تحصل له نهاية مشرِقة , وأقل ما يُرجى التمكين للمرفهين الذين لم يذوقوا محنة ولا خوفاً , ويظنون أن التمكين يأتيهم دون أن ينقص من دنياهم وراحتهم وأمنهم شيء , وينسون أن التمكين إنما يكون من بعد الخوف والمحن {وَعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خوْفِهِمْ أَمْناً}[النور] , وليس المراد بالخوف - هنا - الجبن , وإنما ما تعرضوا له حقيقةً من المخاوف والمحن والتضييق ، التي يحصل بعدها تمكين وانتصار.